الحج مرآة الأمة
من مزايا المرآة أنها
تبرز صورة الأشياء بوضوح ، دون زيادة أو نقص ، وكل من يستحقها يحرص على
نظافتها ، حتى تكون صقيلة ناصعة ، ولا ذنب للمرآة إذا رأى الناظر فيها
عيوبه من اتساخ الثياب أو اختلال الهندام ؛ لأنها مجرد شاهد صادق ينطق
بالواقع ، وقد يغضب الناظر لما يرى من صور النقص لكنه لا يملك - إن كان
عاقلاً - إلا أن يصلح من الحقيقة لتصلح صورته ، لكن بعض الحمقى قد يقذف
بهذه المرآة ويهشمها بيده ، ثم يدوسها بقدمه ، ونقول لهذا الأحمق : لم
تغير الحقيقة وفقدت - مع ذلك - الوسيلة التي تعرف بها الخلل والقصور .
والحج مرآة الأمة تبدو من
خلاله صورتها بما فيها من حسن وجمال ، أو قبح واختلال ، ذلك أن الحج هو
مؤتمر الأمة الأكثر عدداً ، والأعظم تنوعاً ؛ لوجود فئات من الأمراء
والعلماء ، والمثقفين والأدباء ، والوجهاء والدهماء ، والعامة والبسطاء ،
والرجال والنساء ، ولا شك أن مرآة الحج تبرز في إطار عام كثيراً من
المحاسن من التعبد والمساواة والوحدة ، ولكنها – لصدقها – تبرز أيضاً
صوراً من الخلل ونماذج القصور الذي لا يتفق مع تلك المحاسن ، بل ربما نجد
ما يناقض تلك المحاسن ويضادها .
إن العين لا تخطئ رؤية
كثير من السلبيات ، فأنت ترى في صفوف الجموع الغفيرة صوراً من اختلال
العقائد وشيوع الابتداع ، كما تلحظ ذهولاً عن العبادة ، وبعداً عن الخشوع
، ولا تخفى عليك نماذج الجهل بالدين ، والتخبط في المناسك ، إضافة إلى صور
التخلف الحضاري المتجسدة في إهمال النظافة ، وتجاهل أبسط مستلزماتها ،
والتجاوز للتعليمات الصحية وعدم مراعاتها ، والإخلال بالنظام مع الإخلاد
للفوضى ، هذا مع صور متفرقة من الحدة في التعامل ، والشدة عند التزاحم
والانفعال عند التجاوز ، والتعصب لجنس أو البلد أو على الأقل عدم الارتياح
والانفتاح على الآخرين .
كل ذلك لا يعني أن هناك
إيجابيات كثيرة ، ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن لا نفعل هذه المظاهر ، ويجب
أن لا نكسر المرآة ، بل ينبغي أن نشكرها إذ وقفنا من خلالها على الداء
وبقي الدواء .
وأختم هذه السطور بأن ما
ذكرته يبين حجم الجهود التي تبذل لتحويل الأمة من الفرقة إلى الوحدة ، ومن
الذلة إلى العزة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن التخلف إلى التقدم ، ولا شك
أن الدور الأكبر في عنق الحكومات الإسلامية ، وأجهزتها الإعلامية ،
ومناهجها التعليمية . وهناك أيضاً العلماء وجهودهم في الدعوة ، والحفاظ
على عقيدة الأمة ، والصدع بالحق، والصد عن المنكر، والمحاربة للجهل ،
والمواجهة للغزو ، وهناك جهود وواجبات منوطة بأرباب المال ومؤسسات
الاقتصاد ، وأخرى بأرباب الفكر والأدب ، وثالثة بخطباء المنابر وحملة
الأقلام ، ولا أظن مسلماً يخلو من المسؤولية تجاه أوضاع الأمة ، فما
أحرانا أن نوجه النداء لكل فرد في الأمة عموماً ، ولكل حاج خصوصاً أن
يتحمل مسؤولياتهم ، وأن يغيروا مواقعهم ، وأن يقوموا بواجبهم ليتحقق لهم
وعد الله { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...} والله المستعان .
د. علي بن عمر بادحدح
من مزايا المرآة أنها
تبرز صورة الأشياء بوضوح ، دون زيادة أو نقص ، وكل من يستحقها يحرص على
نظافتها ، حتى تكون صقيلة ناصعة ، ولا ذنب للمرآة إذا رأى الناظر فيها
عيوبه من اتساخ الثياب أو اختلال الهندام ؛ لأنها مجرد شاهد صادق ينطق
بالواقع ، وقد يغضب الناظر لما يرى من صور النقص لكنه لا يملك - إن كان
عاقلاً - إلا أن يصلح من الحقيقة لتصلح صورته ، لكن بعض الحمقى قد يقذف
بهذه المرآة ويهشمها بيده ، ثم يدوسها بقدمه ، ونقول لهذا الأحمق : لم
تغير الحقيقة وفقدت - مع ذلك - الوسيلة التي تعرف بها الخلل والقصور .
والحج مرآة الأمة تبدو من
خلاله صورتها بما فيها من حسن وجمال ، أو قبح واختلال ، ذلك أن الحج هو
مؤتمر الأمة الأكثر عدداً ، والأعظم تنوعاً ؛ لوجود فئات من الأمراء
والعلماء ، والمثقفين والأدباء ، والوجهاء والدهماء ، والعامة والبسطاء ،
والرجال والنساء ، ولا شك أن مرآة الحج تبرز في إطار عام كثيراً من
المحاسن من التعبد والمساواة والوحدة ، ولكنها – لصدقها – تبرز أيضاً
صوراً من الخلل ونماذج القصور الذي لا يتفق مع تلك المحاسن ، بل ربما نجد
ما يناقض تلك المحاسن ويضادها .
إن العين لا تخطئ رؤية
كثير من السلبيات ، فأنت ترى في صفوف الجموع الغفيرة صوراً من اختلال
العقائد وشيوع الابتداع ، كما تلحظ ذهولاً عن العبادة ، وبعداً عن الخشوع
، ولا تخفى عليك نماذج الجهل بالدين ، والتخبط في المناسك ، إضافة إلى صور
التخلف الحضاري المتجسدة في إهمال النظافة ، وتجاهل أبسط مستلزماتها ،
والتجاوز للتعليمات الصحية وعدم مراعاتها ، والإخلال بالنظام مع الإخلاد
للفوضى ، هذا مع صور متفرقة من الحدة في التعامل ، والشدة عند التزاحم
والانفعال عند التجاوز ، والتعصب لجنس أو البلد أو على الأقل عدم الارتياح
والانفتاح على الآخرين .
كل ذلك لا يعني أن هناك
إيجابيات كثيرة ، ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن لا نفعل هذه المظاهر ، ويجب
أن لا نكسر المرآة ، بل ينبغي أن نشكرها إذ وقفنا من خلالها على الداء
وبقي الدواء .
وأختم هذه السطور بأن ما
ذكرته يبين حجم الجهود التي تبذل لتحويل الأمة من الفرقة إلى الوحدة ، ومن
الذلة إلى العزة ، ومن الضعف إلى القوة ، ومن التخلف إلى التقدم ، ولا شك
أن الدور الأكبر في عنق الحكومات الإسلامية ، وأجهزتها الإعلامية ،
ومناهجها التعليمية . وهناك أيضاً العلماء وجهودهم في الدعوة ، والحفاظ
على عقيدة الأمة ، والصدع بالحق، والصد عن المنكر، والمحاربة للجهل ،
والمواجهة للغزو ، وهناك جهود وواجبات منوطة بأرباب المال ومؤسسات
الاقتصاد ، وأخرى بأرباب الفكر والأدب ، وثالثة بخطباء المنابر وحملة
الأقلام ، ولا أظن مسلماً يخلو من المسؤولية تجاه أوضاع الأمة ، فما
أحرانا أن نوجه النداء لكل فرد في الأمة عموماً ، ولكل حاج خصوصاً أن
يتحمل مسؤولياتهم ، وأن يغيروا مواقعهم ، وأن يقوموا بواجبهم ليتحقق لهم
وعد الله { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ...} والله المستعان .
د. علي بن عمر بادحدح